كود نيورمبرغ
التجارب الطبية المسموح بها
إن جل الأدلة المعروضة علينا تشير إلى أن أنواعاً معينة من التجارب الطبية على البشر، المنفذة ضمن حدود محددة جيداً ومعقولة، تتوافق مع أخلاقيات مهنة الطب بشكل عام. يبرر المدافعون عن ممارسة التجارب على البشر وجهات نظرهم على أساس أن مثل هذه التجارب تسفر عن نتائج لصالح المجتمع، والتي لا يمكن التوصل إليها بطرق أو وسائل أخرى. لكن يتفق الجميع على وجوب مراعاة مبادئ أساسية معينة من أجل تلبية مفاهيم سلوكية وأخلاقية وقانونية:
- الموافقة الطوعية للشخص الذي يخضع للتجربة هو أمر ضروري وبشكل مطلق.
ويعني ذلك أن الشخص المعني يجب أن يتمتع بالأهلية القانونية لمنح الموافقة؛ ويجب أن يكون في وضع يسمح له بممارسة الاختيار الحر، دون تدخل أي من عوامل القوة، أو الاحتيال، أو الخداع، أو الإكراه، أو التجاوزات، أو أي شكل آخر من أشكال الضغط أو الإكراه؛ ويجب أن يكون لديه معرفة وفهم كافيين لعناصر الموضوع المعني بشكل يمكنه من اتخاذ قرار مستنير ومبني على الفهم. يتطلب هذا العنصر الأخير أن يكون الشخص الذي سيخضع للتجربة على علم، قبل اتخاذه قراراً بالموافقة، بطبيعة التجربة ومدتها والغرض منها؛ وبالطريقة والوسائل التي سيتم إجراؤها بواسطتها؛ وبجميع السلبيات والمخاطر المتوقعة؛ والآثار التي قد تنجم عن المشاركة في التجربة على الشخص الخاضع للتجربة وصحته.
يقع واجب ومسؤولية التحقق من جودة الموافقة على عاتق كل فرد يباشر التجربة أو يوجهها، أو يديرها، أو يساهم فيها. فهو واجب شخصي ومسؤولية لا يجوز تفويضها دون تحمل المسؤولية والتبعات القانونية لها.
- أن تكون التجربة من النوع الذي يثمر نتائج لصالح المجتمع، لا يمكن تحقيقها بطرق أو وسائل بحثية أخرى، وأن تكون هذه النتائج ليست عشوائية أو غير ضرورية بطبيعتها.
- يجب أن تكون التجربة على الإنسان مسبوقة بالتجربة على الحيوان، وبناء على معرفة التاريخ الطبيعي للمرض أو أي مشكلة أخرى قيد الدراسة بحيث تبرر النتائج المتوقعة أداء التجربة.
- على التجربة أن تُجنب الإنسان الخاضع لها أي معاناة أو إصابات جسدية أو عقلية غير ضرورية.
- لا يجوز بأي حال من الأحوال إجراء التجارب التي يتوافر بشأنها ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها ستخلف آثارا جسيمة كالوفاة أو إصابة بالغة للشخص الخاضع لها؛ والاستثناء الجائز هنا هو تلك التجارب التي يشمل فيها الأطباء التجريبيون أنفسهم بين الخاضعين للتجربة.
- يجب ألا تفوق درجة المخاطرة المتخذة الأهمية الإنسانية التي يتم تحديدها لحل المشكلة الذي تهدف التجربة الوصول إليه.
- يجب القيام بالاستعدادات المناسبة وتوفير الظروف الملائمة والكافية لحماية الخاضعين للتجربة من احتمالات الإصابة أو العجز أو الوفاة مهما كانت هذه الاحتمالات بعيدة.
- يجب إجراء التجربة حصراً من قبل أشخاص مؤهلين علمياً. ويجب استخدام أعلى درجة من المهارة والعناية خلال جميع مراحل التجربة من قبل الذين يجرون التجربة أو يساهمون فيها.
- خلال التجربة، يجب أن يكون الإنسان حراً في إيقافها أو إنهائها إذا وصل إلى حالة جسدية أو عقلية اعتقد معها إن الاستمرار بهذه التجربة مستحيلا.
- أثناء التجربة، يجب أن يكون العالم المسؤول مستعدا لإنهاء التجربة في أي مرحلة، إذا كان لديه مسوغ لترجيح هذا الاعتقاد بحسن نية، آخذا بعين الاعتبار المهارة الفائقة والحكمة في اتخاذ قراره، مرجحا أن الاستمرار في هذه التجربة قد يؤدي إلى إصابة بالغة أو عجز أو وفاة الشخص الخاضع لها.
من بين المبادئ العشرة التي تم تعدادها، فإن اهتمامنا القضائي يتعلق، بالطبع، بالمتطلبات ذات الطبيعة القانونية البحتة - أو تلك التي ترتبط بشكل واضح بمسائل قانونية تساعدنا في تحديد الجرم والعقوبة. إن تجاوز هذه النقطة سيقودنا إلى مجال يقع خارج نطاق اختصاصنا. ومع ذلك، لا داعي لمعالجة هذه القضية، حيث نجد من الأدلة أنه في التجارب الطبية التي تم إثباتها، تم التعامل مع هذه المبادئ العشرة في كثير من الأحيان بانتهاكها أكثر من احترامها. كان العديد من نزلاء معسكرات الاعتقال الذين وقعوا ضحايا لهذه الفظائع من مواطني دول أخرى غير الرايخ الألماني. كانوا مواطنين غير ألمان، بما في ذلك اليهود و"الأشخاص اللا-اجتماعيين"، سواء أسرى حرب أو مدنيين، تم سجنهم وأجبروا على الخضوع لهذا التعذيب والوحشية دون محاكمة أو حتى ما يحاكيها. في كل حالة تظهر في السجلات، تم استخدام أشخاصاً لم يوافقوا على التجارب؛ حتى إن المُدعى عليهم لم يجادلوا بشأن بعض التجارب أو أنها أجُريت على بعض الأشخاص بصفتهم متطوعين. لم يكن للخاضعين إلى التجارب الحرية في الانسحاب من أي تجربة بأي حال من الأحوال. في كثير من الحالات تم إجراء التجارب من قبل أشخاص غير مؤهلين، وبشكل عشوائي دون مبررات علمية كافية، وفي ظل ظروف تثير الاشمئزاز. كما تم إجراء جميع التجارب بطرق تسبب المعاناة والإصابات العرضية (التي كان بالإمكان تفاديها)، ولم يتم، إلا في حالات نادرة، اتخاذ احتياطات لحماية الأشخاص من احتمالات الإصابة أو العجز أو الوفاة. وفي كل واحدة من هذه التجارب، عانى الأشخاص من ألم شديد أو تعذيب، ومعظمهم عانوا من إصابات دائمة أو تشوه أو وفاة، إما كنتيجة مباشرة للتجارب، أو بسبب غياب المتابعة اللازمة بعد التجربة.
من الواضح أنه تم إجراء كل هذه التجارب وما ترتب عليها من أعمال وحشية، وتعذيب، وإصابات، وموت وسط تجاهل تام للاتفاقيات الدولية، وقوانين الحرب وأعرافها، والمبادئ العامة للقانون الجنائي المستمدة من القوانين الجنائية لجميع الدول المتحضرة، وقانون مجلس الرقابة رقم 10. فمن الجلي هنا، أن التجارب على البشر في ظل هذه الظروف تتعارض مع "مبادئ قانون الأمم، المتشكل من استخدامات الشعوب المتحضرة له، ومن قوانين الإنسانية، وما يمليه الضمير العام".
إن السؤال عن إن ما كان أيا من المُدعى عليهم مذنبا، هو بالطبع قضية أخرى. بموجب النظام القانوني الأنجلو ساكسوني، الذي يفترض براءة كل متهم في قضية جنائية حتى صدور الحكم من الجهة المختصة ووفقا لدليل موثوق، يبرهن على ارتكاب المتهم للجريمة بشكل قاطع لا يقبل الشك. يبقى هذا الافتراض مع المُدعى عليه خلال كل مرحلة من مراحل محاكمته حتى يتم تقديم هذه الدرجة من الإثبات. "الشك المعقول" كما يوحي الاسم هو شك متوافق مع المنطق – يقبله رجل عاقل. وبكلمات أخرى، فإنها تلك الحالة التي تتم فيها مقارنة الأدلة والنظر فيها جميعها بشكل كامل، من شخص غير منحاز أو متعصب، بل متدبر ومسؤول عن قراره، وفي حالة ذهنية تمكنه من الوصول بقناعة راسخة إلى حد اليقين الأخلاقي من صدقية التهمة المقدمة من عدمها.
إذا كان سيسند إلى أي من المُدعى عليهم ذنباً بموجب التهمتين الثانية أو الثالثة من لائحة الاتهام، فيجب أن يكون ذلك بسبب أن الدليل قد أظهر بما لا يدع مجالا للشك أن هذا المُدعى عليه، بغض النظر عن جنسيته أو الصفة التي تصرف بها، قد شارك كمسؤول في، أو ملحق لـ، أو آمرا، أو محرّضا، أو موافقا، أو كان مرتبطًا بخطط أو مؤسسات ساهمت في التكليف بتنفيذ حتى لو بجزء من التجارب الطبية، والفظائع الأخرى وهي موضوع هذه الاتهامات. لذلك لا يجوز إدانة المدُعى عليه تحت أي ظرف من الظروف إلا في حال توفر الدليل.
قبل فحص الأدلة التي يجب أن ننظر إليها من أجل تحديد الذنب الفردي، يبدو أن بيانا موجزا بشأن بعض الوكالات الرسمية للحكومة الألمانية والحزب النازي الذي سيشار إليه في هذا الحكم أمر مطلوب.